المعلق :
في عام 1930 واجه المزارع "والف باتلي" حيواناً غريباً، لم يدرك أن طلقته تلك لم تنهي حياة حيوان واحد فقط وإنما كانت القاضية على نوع بكامله "النمر التسماني".
تقع تسمانيا على بعد مائتي ميل قبالة الساحل الجنوبي لأستراليا، تشتهر هذه البراري المعزولة التي تعادل مساحتها مساحة أيرلندا بحيوانها المفترس الضاري كان كائناً غريباً له جسم ذئب، واعتمد على فكيه الضخمين كسلاح أساسي، أدت الخطوط الموجودة على مؤخرة جسمه بتسميته بالنمر التسماني.
لعل الأمر المدهش في هذا الحيوان المفترس الذي يشبه الذئب أنه لم يكن نمراً على الإطلاق، كان أقرب إلى كنجر منه إلى النمر، كان ذئباً جرابياً، وكانت تلك تركيبة جعلته أكثر الحيوانات التي كرهها الإنسان.
على الرغم من انقراض النمر التسماني مؤخراً، مازالت له مكانته في قلوب سكان الجزيرة، وهذا بعيد كل البعد عن الجهل العلمي الذي ساد ولم تكن هناك فرصة لإنقاذه.
عالم أحياء :
لم يفسر العلماء طبيعة هذا الحيوان، كانت لديهم المعرفة الكافية لإنقاذه، لكنهم تقبلوا في قرارة أنفسهم أن حقيقة انقراضه حتمية.
المعلق :
هذه قصية حيوان انقرض لأن البشر لم يفهموه، كان حيواناً جميلاً حيواناً جرابياً مختلفاً.
عالم أحياء :
تقبل العلماء الفكرة القائلة بأن الجرابيات أقل سوية من غيرها من الحيوانات، وتوقعوا أن يكون الحيوان الجرابي أضعف وأقل قدرة على البقاء بخاصة عندما دخل الأوروبيون وحيواناتهم إلى البيئة.
المعلق :
نظر العلماء بداية نظرة دونية إلى الجرابيات كالنمر التسماني، أما الآن فنجدهم يدرسونها كما يجب، إنما بعد انقراضها، ويستخدمون في ذلك أدلة استثنائية، يرى خبير النمور "موني" أن هذه الأفلام شهد على حيوان مدهش لا حيوان وضيع.
موني :
سمي هذا النمر بجانن، نرى هنا قاعدة الذيل الكثيفة والألوان المخططة، والتي تعتبر من مميزات النمور التسمانية، يمشي النمر على أصابع أقدامه كالكلب ونمط مشيته مميز حقاً، ويمتاز بنوع من الغرابة والتمايل، بحيث تبدو مشية الكلب أثبت وأقوى، في حين يمتاز النمر التسماني بحركته الانسيابية الطيعة نرى هنا الحيوان وهو يتثاءب ويظهر تثاؤبه فتحة فمه التي تعتبر الأكبر بين ثدييات اليابسة.
المعلق :
تطلعنا الأفلام على شكل الحيوان وطريقة تصرفه بالأسر، لكنها لا تخدش إلا السطح فقط، فقد يبدو النمر التسماني مشابهاً لكلب "نيك" ظاهرياً لكن النظرة الفاحصة تبين خليطاً مدهشاً يبرز في هذا الحيوان بقدرة الله.
موني :
هناك أوجه شبه للهيكل العظمي للكلب لكن توجد أيضاً أوجه خلاف مهمة جداً، تلاحظون هناك الفقرات الطويلة جداً، الموجودة في الذيل، مما يجعله متيبساً، في حين أن ذيل الكلب مرن جداً، لنستعرض معاً الهيكل العظمي الكامل للحيوان، أول انطباع يتبادر إلى ذهننا هو أن هذا الحيوان لديه طرف أمامي مطواع ولين، فقراته قصيرة وهي كثيرة في هذه المنطقة، وفيما نصل إلى وسط الحيوان، نلاحظ أن الفقرات أصبحت فجأة أطول بكثير، وهناك تغيير كبير مفاجئ من المرونة الكبيرة بالمقدمة للتيبس الموجود هنا.
كما نلاحظ هنا أن الحيان يشبه الكلب إلى بعيد وأن رأسه ضخم يحتوي عدداً كبيراً من الأنياب، لدينا هنا روابط عضلية كثيرة، لدعم الرأس والعنق الطويل، كان هذا هو الطرف القاتل، للحيوان.
المعلق :
النمر التسماني والكلب متشابهان في العديد من الأوجه، أهمها مطاردة الفرائس والتهامها بعد صيدها ويكون التساؤل هنا عن مدى فاعلية النمر كحيوان مفترس في ضوء هذه الدراسات العلمية للحيوان قبل انقراضه.
الإجابة عن ذلك التساؤل ليست سهلة، هناك حيوان جرابي مدهش، فلنلقي الضوء على هذا الموضوع نقصد هنا الذئب التسماني، ما العلاقة بين هذا الحيوان والذئب التسماني حسب تحليل الـ"D.N.A"؟
يظهر الذئب التسماني أدلة كثيرة لعالمية الحيوان "مينا" لعل أول طريقته في التربص لضحيته هي علامة.
مينا :
المرجح أن النمر التسماني لم يكن سريع العدو كالذئب مثلاً، بل قارنت تركيبة الهيكل العظمي للنمر التسماني بمثيلاتها لدى الذئب ووجدتها أقرب للذئب التسماني كانت ساق النمر التسماني طويلة نسبياً مقارنة بعظمة الورك، وهذا يعني بأنه لم يكن سريع العدو، وكذلك فإن الذئب التسماني ليس سريع العدو أيضاً.
المعلق :
دب النشاط في حيوانات الغابة بعد انحسار حرارة النهار، عمر هذه الأنثى ثلاث سنوات، جهزت ملجأ لها في كهف صغير تستطيع فيه تربية جرائها، إنها مفترسة تعمل وحدها ضمن دائرة نفوذها وتدع الغابة كل يوم لتبحث عن طريدة، يساعدها تخطيط ذيلها في تمويه جسمها، وحالما تشم الرائحة تبدأ بالمطاردة.
إنها تستطيع وبسهولة أن تطارد الطريدة ساعات طويلة عبر الغابات والأنهار والأودية لأن قوة جسمها تعني أنها ستتمكن في النهاية من محاصرة ضحيتها، حيوان "الهالد" مرهق ولا يقدر على الهرب.
دراسة مينا التي قارنت فيها بين الذئب والنمر التسماني بينت أن الاختلاق كبير في طريقة التهامها للطرائد، الذئب التسماني يسحق العظام وكأنها جزر، في حين يفصل النمر التسماني أجزاء أخرى من الجسم.
مينا :
لو تفحصتم الفك السفلي للذئب التسماني سوف تجدوا أن أنياب الحيوان البالغ تكون عادة مكسرة، وكذلك فإن معظم الأضراس مشققة، والسبب أن الذئب التسماني يسحق العظام ويطحنها، أما أنياب النمر التسماني البالغ فهي حادة وليست مكسرة، وتظل أضراسه حادة طوال حياته، ويدل ذلك على أن النمر التسماني كان يأكل الأنسجة الطرية من الحيوانات وبخاصة أنسجة العضلات والأحشاء، ويتحاشى العظام.
المعلق :
بعدما خنقت طريدتها بفكيها القويين نراها تستخدم أنيابها الحادة لاختيار الأجزاء الطرية، أي الأعضاء الداخلية كالكبد والقلب والرئتين على الرغم من صيده الناجح إلى أن هذه الأنثى وبقية أبناء جنسها على وشك الانقراض.
كان مقدراً للنمر التسماني أن يصبح موضع كراهية وخوف من قبل البشر، بدأ التاريخ المعاصر لتسمانيها في عام 1803 مع إقامة مستعمرة بريطانية للسجناء هناك وكان السجناء أول من واجه الحيوان.
كانوا يهربون يحدوهم الأمل بالسير مشياً إلى الهند أو الصين، لكن معظمهم هلكوا واضطر بعضهم إلى أكل لحم البشر.
يذكر سرد لإحدى حالات الهرب التي وقعت عام 1805 أن السبب الذي دفع الهاربين إلى العودة ومواجهة الحراس الغلاظ ما شاهدوه في الغابة.
لقد شاهدا نمراً ضخماً في الغابة، وهناك حيوانات برية كثيرة لم يروها من قبل، كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ المدون التي يؤدي فيه تخطيط ألوان الحيوان إلى الخلط بينه وبين النمر، ومنذ تلك اللحظة أصبح التسمانيون ينظرون إلى النمر التسماني كوحش مخيف يجب قتله.
عالم أحياء :
شهد تاريخ الأوروبيين الحديث إبادتهم للذئاب والأسود وكل الحيوانات المفترسة والخطيرة، ولقي النمر التسماني نفس المصير، يظل الدور الدقيق الذي لعبه البشر في القضاء على النمر التسماني مثاراً للجدل.
عالم أحياء :
بنهاية القرن التاسع عشر كان وضع النمر التسماني صعباً جداً، والبشر لم يكونوا مشكلته الوحيدة، فالقصة أكبر من ذلك بكثير.
يتبع.................